كره الطفل ألعاب الفيديو الّتي لعبها لأكثر من أربعين عاماً فذهب ليلعب في الحديقة هذه المرّة. نظر إلى السماء وقد سئم من صفائها “أمطري مثل ذلك اليوم!” هذه النسخة المحسّنة من قصّة خيال علمي كتبتها في عام 2014 ويمكنك قراءة النسخة القديمة هنا.
خرج ذلك الطفل إلى الحديقة ليستمتع باللعب تحت السماء الصافية كعادته. ففي هذا المكان السماء صافية كل يوم.
وصل إلى الحديقة المدوّرة التي تقع في مركز المدينة وكانت مليئة بالألعاب المخصصة للأطفال، فهناك لعبة التزحلق والدرجحة وسيفنة قراصنة مصغّرة. لكنّ هذا الفتى لم يلعب إلا قليلاً ثم توقّف جالساً أعلى لعبة التزحلق وقال “هذا ممل…”
كان مدركاً للقاعدة الذهبية في اللعب: اللعب وحيداً ليس ممتعاً.
لكنّه لم يرد أن يلعب مع أشخاص آخرين. ليس الآن.. ليس بعد ما فعله المرّة السابقة.
فكّر الطفل بقتل الملل بلعب ألعاب الفيديو، فلديه بعض الأجهزة والكثير من الألعاب في منزله. لكنه لا يريد, فقد كرهها. ليس لأنّه من النوع الّذي لايحبّ التكنولوجيا وليس لأنّه لا يحبّ هذا النوع من الألعاب، بل لأنّها صارت مملة ولم يعد بها شيئ جديد.
فقد لعب هذا الطفل تلك الألعاب آلاف الساعات خلال أربعين عاماً. عشرون عاماً منها بعد أن إنتقل إلى “هنا. بل هو الّذي قام بتطوير معظمها. لكنّه إستنزف كل أفكاره ولم يعد هناك شيئ جديد.
استدرك الطفل نفسه ثمّ قال “أفكّر بالألعاب وكأنني لا أعيش في واحدة الآن…”
منذ متى وهو جالس على لعبة التزحلق؟ …تسائل الطفل لوهلة ثمّ نظر إلى السماء الصافية وقال
“ربما سيكون رائعاً لو أمطرت.”
السماء دائماً صافية هنا. اضاءة الشمس لا تزال ساطعة كل نهار بنفس السطوع، وضوء القمر يصل إلى كل مكان في كلّ ليلة.
وقف الطفل من جلسته رافعاً ذراعيه ثمّ قال بصوت قد سئم من الإنتظار “أمطري! أمطري يا سماء!! إختلفي!! تغيّري!! أمطري مثل ذلك اليوم!”
إنتظر إستجابة السماء…
لم تأتي…
ثمّ ظل واقفاً حتّى تغير موقع الشمس، ولكنّ السماء ظلّت صافية وضوءها لم يتغير…
فنادى باتسامة حزينة وعينين على وشك البكاء “سماء جيّدة!! لم تخالفي النظام الذي برمجك عليه صانعك.”
ظلّ الطفل جالساً أعلى لعبة التزحلق حتّى قرّر أخيراً أن يفعل شيئاً ما.
قال بنبرة شديدة لا تناسب وجهه الصغير “إلى النظام -الكود 204- أحضر رقم 18 إلى الموقع 186-199.”
فجأة ظهرت فتاة بمثل عمره من أقصى المكان ونظرت حولها, وبينما هي تحاول معرفة ما يجري تابع الطفل قائلاً ” -الكود 204- أحضر رقم 20، رقم 7، رقم 13… الموقع نفسه.”
ولم تمضي ثوانٍ حتّى صار عدد الأطفال الحائرين أربعة، لكنّ الطفل علم أنّهم لن يظلّوا حائرين لوقت طويل فقد لا حظته احداهم فأسرعوا إليه فرحين.
نظر إليهم من مكانه فوق لعبة التزحلق، ولم تكن في تعابير وجهه سعادة طفل يترقّب مجيئ أصدقائه إليه، ولكن قلق أبٍ ينتظر عودة أبناءه من رحلة مدرسية.
ابتسم حين تذكّر أسماءهم: “سعيدة”, “قاسم”, “سهام” و “بديع.” تلك لم تكن أسمائهم الحقيقيّة، لكنّها أسماؤهم المحبّبة إليه وإن لم يفعل ما فعله في المرّة السابقة لكان سعيداً برؤيتهم الآن.
“رامي!! أين كنت؟ كنّا نبحث عنك!”
“نعم… مع منازلنا مجاورة لبعضها لم نلتقي بك طوال اليوم!”
“كيف لم يخطر ببالنا أن نبحث هنا؟”
“هاه؟ لماذا لا تبدو سعيداً اليوم يا رامي؟”
نعم، أنا لست سعيداً…
تألم رامي حين رأى تعابير سهام البريئة وهي تسأل سؤالها الأخير.
“أنتم حقّاً لا تذكرون…؟”
بالرغم أنّه هو الّذي سأل, رامي أكثر من يعرف الإجابة بالطبع، فقد حرص على أن لايذكروا شيئاً.
“نذكر ماذ – ؟!”
سألت إحدى البنتين لكنّ قاسم قاطعها
“نعم، كان يفترض أن نتذكّر البحث في هذا المكان… آسفون.”
قال الطفل بإبتسامة حزينة “ليس ذلك! أعني ما فعلتُه لكم قبل يومين…”
فقال أحد الأطفال “ألم نلعب هنا قبل يومين؟”
لكنّ رامي قال كأنّه لا يراهم ولا يسمعهم “في ذلك اليوم الممطر…”
قالت سهام بسخرية “أي يوم ممطر؟! السماء دائماً صافية هنا!”
ورفرفت رافعة يديها مشيرة إلى السماء والشمس الساطعة.
فقال رامي بيأس “آه.. نسيت!!”
ورفع رأسه ثمّ قال صارخاً، غير مبالي بنظرات الإستغراب من أقرانه من الأطفال
” -الكود 219- تغيير المناخ – مطر – !!”
فبدأت المطر تهطل من السماء.
الإستجابة كانت سريعة فبمجرّد أن أنهى كلمة مطر حتّى اختفى ضوء الشمس وحلّت مكانه الغيوم. في أي وضع آخر ستُدعى هذه المطر بالغزيرة وقد يخاف البعض من فيض المياه. ولكنّ هذه المطر كان ينقصها شيء. شيء غريب لخّصه رامي بعبارته التالية.
“حين تهطل المطر على الأشياء فإنها تبلّل. نعم… نسيت هذه القاعدة البسيطة.”
وذلك هو الغريب في الأمر. المطر تهطل كخيط من السماء، ولكن قطراتها تختفي بمجرّد ملامسة أي شيئ. لم تتبلّل ملابس الأطفال ولا شعر رؤوسهم، ولم تصنع المطر بركة ماء في الأرض المجوّفة بجوارهم.
وبين كلّ هذا التضارب، وقف الأطفال الأربعة مستغربين وحائرين من رامي، ولكنّه كان يعرف الكلام الّذي سيقولونه بعدها.
“ماذا قُلت يا رامي؟”
“أكيد!! المطر ماء والماء يبلّل الأشياء…”
“لكن لماذا كنت تصرخ؟”
“ولماذا تنظر للسماء، ألا ترى؟ أليست صافية؟”
ألم يقولوا نفس الكلام في المرّة السابقة؟
لم يروا أنّ السماء تمطر، لم يلاحظوا شيئاً يمكن رؤيته بتلك السهولة. ولو حصل هذا قبل أسبوع لقام هذا الطفل بلوم نفسه على ما حصل، ثمّ سيحاول إصلاح هذا العطل. فقبل كلّ شيئ رامي لم يكن طفلاً عاديّاً…
رامي لم يكن طفلاً…
“رامي” هو مطوّر حاسوب في الخمسينيات من عمره. وُلد في أواخر الألفيّة الماضية وعاش حياة سعيدة مليئة بالإنجازات حتّى اندلت الحرب قبل عشرين عاماً ودمّرت كل شيئ.
حين كان هذا المطّور في ذروة شهره، كان يعمل على مشاريع العوالم الإفتراضية، وخلال الحرب عمل على تطوير “العالم الصافي.” كان الهدف الأساسي للعام الصافي العناية بالضحايا المصابين بأمراض أو جراح خطيرة ولايستطيعون العودة إلى حياتهم اليومية، ويشمل المشروع العناية بمن فقدوا أعضاءهم في الحرب.
“نعم السماء صافية…”
قالها وهو يسمع صوت المطر الغزير مثل أُمٍ تقول لأطفالها أنّ والدهم مسافر وسيعود قريبا بالرغم من علمها بموته. ولقد رأى رامي الكثير من هؤلاء الأمّهات خلال الحرب.
قالت سعيدة ملتفته بين أصدقاءها الثلاثة ورامي “هل نلعب؟ “
“”” نعم!! “””
مشى ورائهم ببطئ شديد وهو يتذكّر الظروف الّتي أدّت إلى ما فعله في المرّة السابقة.
“هل يحقّ لي أن أناديهم بالأصدقاء؟”
إن لم تخن رامي الذاكرة، فقد كان هذا السؤال يشغل باله عندما قرّر إدخالهم إلى عالمه قبل 20 عاماً أيضاً…
بعد انتهاء الحرب لم يبقى في العالم سوى الخراب، وأدّت المجاعة والجفاف لاقتتال الناس من أجل شربة ماء غير نقي أو طعام معلّب صلاحيته منتيهة. وانقسم النّاس إلى مجموعات همّ كل منهم أنفسهم، ولو على حساب غيرهم من المجموعات.
تلك الأيام ملأت رامي بالندم…
خطيبته الّتي أجّل الزواج بها حتّى ينتهي من عمله ماتت خلال الحرب، وكذلك والداه وأخته الصغرى التي ماتت وهي مراهقة. ندم على الأيام التي قضاها أمام شاشات الحاسوب متجاهلاً اتصالات عائلته وزملائه واصدقائه الذين أرادوا أن يمضي وقتاً أطول معهم. كم افتقدهم رامي في تلك الأيام، وأدرك أنّ مشاريع الحاسوب لم تكن تستحق.
خلال الحرب تمّ نقله من ملجأ إلى آخر وهو يحمل معه المعدّات الثقيلة لصناعة العوالم الإفتراضية. نفس المعدّات التي ضحّى بكل شيء للحصول عليها في شبابه.
حتّى أنهى في أحد الملاجئ صنع “العالم الصافي،” المكان الّذي يحوي مدينة إفتراضية مصغّرة عن المدينة التي وُلد فيها قبل الحرب، وقد ملأها بالشخصيات الإفتراضية.
وبعد كلّ ما واجهه من المآسي خلال الحرب، ما يكفي لجعله يفكّر بالهروب من واقعه المرير، فقد قرّر أن يكون هذا المشروع عمله الأخير… وفي يوم من الأيام بعد أن تأكد من سلامة الأجهزة ونظام الأمان في المكان، أخبر كلً سكّان الملجأ بالآتي:
“لقد صنعت عالماً يمكننا أن نعيش فيه جميعاً، عالم مسالم سيكون حسبنا مدى الحياة. يمكننا تشغيله بألواح الطاقة الشمسية القليلة التي لدينا، ومؤونتنا ستكفينا لنعيش 50 عاماً في العالم الإفتراضي.”
حين يعيش الشخص في العالم الإفتراضي فهو يستخدم إشارات دماغه ليتحرّك خلال المساحة الإفتراضية، لذا يحتاج الشخص أن يكون جسمه الحقيقي متصلاً بالجهاز. الجسم الحقيقي يحتاج إلى الغذاء والعناية ليبقى على قيد الحياة لكن لم يكن مستحيلاً على سكّان الملجأ تكوين جهاز تغذية ورعاية يحافظ على أجسادهم خلال بقائها متّصلة بالعالم الصافي.
لم يكن قراراً صحيّاً ﻷجسادهم، لكنّ جهاز التغذية قد يكفيهم لعشرات السنين لو ظلّوا متّصلين بالجهاز طوال الوقت.
وافق بعضهم… فقد رأوا أنّ العيش داخل عالم مسالم وإن لم يكن حقيقياً أفضل من العيش في عالمهم الّذي لايعرفون متى تنتهي مؤونتهم فيه أو يبدأون في القتال عليها. وهكذا دخل الموافقون إلى “العالم الصافي.”
تأمّل رامي الأطفال يلعبون مثل معلّم الحضانة الذي يترقّب وقت القيلولة.
كانوا أصحاب الأرقام 18 و 7 و 20 و 13…
من بين 23 شخصاً أوّلهم هذا الطفل رقم 0 كانوا هم الأشخاص الّذين دخلوا إلى العالم الإفتراضي قبل 20 سنة.
بالطبع، لم يكن أي منهم طفلاً…
فكما كان رامي في الخمسينات من عمره، كانت سهام أصغرهم في أواخر الثلاثينيات…
لكنّها لا تعلم. إنها تظنّ نفسها طفلة بسبب “حادث” متعمّد قام به رامي…
لا أحد غيره يعلم أنّه ليس طفلاً.
“هل أنا مجنون؟”
في إحدى المرّات قبل أكثر من عشر سنوات حصل خلاف بين سكّان العالم الصافي. خلاف كاد يؤدي إلى إنهيار صفاء العالم. ولم يستطع رامي إيجاد حل للحفاظ على “ترابط المجتمع” إلا تدمير ذكريات السكّان وإستبدالها.
تردّد رامي حول تدمير ذكرياته أيضاً لكنّه إن فعل، من سيصلح ال الأعطال إن حصلت مشكلة أخرى؟
لذا شعر أنّ عليه العيش معهم وهو يحمل جريمته في ذهنه، غير قادر على اخبارها لأحد…
“نعم أنا مجنون…”
لكنّه لم يكن مجنوناً، وحتّى لو كان كذلك فجنونه لا يهم… لا شيء يهم بعد ما عرفه قبل أيّام…
لذا همس رامي دون أن يدرك “بل أنا غير موجو- !!”
“بماذا تتمتم يا رامي؟ إنه دورك!”
قاطعه بديع ثمّ أشار نحو لعبة الزحلقة فإبتسم رامي وذهب إليها محاولاً نسيان ما كان يفكّر فيه…
لكن ما إن صعد إليها وتزحلق, ذكّره هبوطه بسقوط عالمه الصافي…
ذكّره بما فعله في المرّة السابقة.
ذكّره برأس سهام المغطّى بالدماء… وذكّره بتعابير سعيدة المرتعبة وهي تناديه بالقاتل… وذكّره بقاسم وهو يسحب المسدّس منه بعيون مشتعلة وببديع يبكي من الأسى مرتجفاً من الرعب…
ثمّ تذكّر سبب ذلك كلّه!
فخلال العشرين عاماً الماضية يرج رامي من العالم الصافي كلّ بضعة أشهر ليطّلع على ما حصل في الواقع، وليقوم بالصيانة الدورية للجهاز، وأحياناً لتطوير مزايا جديدة للعالم الصافي فمثلاً لم يكن هناك وجود للطعام في هذا العالم إلًا قبل ثلاث عشرة سنة حين عرف كيف يقوم بربط البرنامج بالإشارات الدماغية لحاسة التذوق.
لكن في آخر مرّة حين أراد إضافة مزايا لبرنامج المناخ الّذي لم يكتمل بعد، لم يستطع رامي الخروج من العالم الصافي. ثمّ أمضى ساعاتٍ عصيبة بحثاً عن السبب حتّى إكتشفه.
– قلب جسمه الحقيقي متوقّف –
اكتشف رامي أنّ جسمه الحقيقي قد مات منذ فترة، ربما قبل أسبوع أو شهر واحد.
اكتشف رامي أنّه ميّت.
لم يصدّق ذلك…
ولم يُرد أن يصدّق ذلك… …
لأنّ نظريته التي بنى العالم الصافي عليها تنص على أنّ مجسّمه الإفتراضي يحتاج لعقله الحقيقي كي يعمل. فهل يمكن أن يعمل عقله وقلبه متوقّف؟ وهو ميّت؟ هذا مستحيل…
لكن ربّما… ربما لم يكن مستحيلاً أنّه الآن مجرّد برنامج.
ربما لم يعد “عقل” رامي من يتحكّم بالمجسّم الفراغي. وليس رامي هو الّذي يفكّر الآن بل “شبح رقمي” يتصرّف ويفكّر مثلما يفعل رامي…
رامي الّذي قام بصنع هذا العالم يعرف أنّ شيئاً كهذا غير مستحيل.
لكن كيف؟
لكن لماذا؟
لكن ماذا؟
من أنا؟
مرّة أخرى شعر رامي بأنه سجين، ولم يكن “السجن” شيئاً جديداً عليه فقد تمّ سجنه مرّة خلال الحرب… لكنّ شعوره بالسجن هذه المرّة كان أشدّ إيلاماً ومنعدم الأمل. ﻷول مرّة شعر رامي بأنّه سجين نفسه. أنّ حياته لم تعد لديها قيمة –
بل أسوأ !!
أنّه لم تعد لديه حياة ليكون لها قيمة.
في ذلك اليوم، شعر رامي أنّ السماء الصافية لا تناسب هذا الموقف الفظيع فقال وهو يعلم أنّ البرنامج لم يكتمل الكلمات المفتاحيّة لتشغيله ” -الكود 219- …تغيير المناخ …مطر….”
وفي ذلك اليوم، جاء أصدقاءه الأطفال في أسوأ وقت ممكن، حين كان يفكّر بكلّ ذلك… في ذلك اليوم لم يأتي منهم أربعة فقط، بل جاءه الأعضاء العشرون جميعاً…
“هيّا لنلعب!”
رامي الّذي فقد كلّ شيئ، شعر أنّ هؤلاء جاؤوا ليسخروا منه… فإستثار غضباً حتى كاد أن يحمرّ وجهه لولا أنّ ذلك لم يكن ممكناً في العالم الصافي وصرخ بكلّ قوته ” -الكود 23- مسدّس !! -الكود 78- قنبلة !! -الكود 94-!! -الكود 62-!!”
وبدأ يصرخ الكثير من أسماء الأكواد ليخرج أسلحة ويقتل بها هؤلاء “الأصدقاء” !!
“كيف تسخرون منّي!! أنا لم أمت!! أنااااااااااااااااا لست ميّتااااااااااااااااااااااااااااا!!”
ربما في تلك اللحظة كان رامي مجنوناً حقاً…
حين أفاق وعاد ﻹدراكه،وجد رامي نفسه قتل مجموعة منهم… وما رآه أمامه لا يمكن وصفه سوى ببقايا بشعة، وكان الأكثر بشاعة منظر سهام الّذي لا تزال ذكراه تصيبه بالغثيان، ولو حصلت هذه المجزرة في غير العالم الإفتراضي لكانت رائحة المكان أكثر شيئ مقرف مرّ عليه.
“أنا.. لست.. ميـ.. تاً !!”
ورأى الأطفال الّذين لايزالون أحياء منهم يبكون, خائفون. مرتعبون…
“أ – أنا…”
لم أقصد… هذا ما أراد قوله…
لكنّه لم يستطع…
كلّ ما فعله هو الإبتعاد عن مسرح الجريمة ولم يحاول أحد اللحاق به.
أوّل ما فعله رامي بعد هدوءه هو مسح ذكريات الجميع لذلك اليوم…
هؤلاء الّذين يموتون في العالم الصافي لا يتأثرون في العالم الحقيقي بل يعودون إلى غرفتهم الخاصّة في بيتوهم في هذا العالم بمجرّد موتهم. لكنّهم يتذكّرون كلّ شيء ويشمل ذلك الموقف الّذي ماتوا فيه، والصدمة التي تعرضوا لها تبقى كذلك، لذا كان عليه مسح ذاكرة الجميع.
ولحسن حظّه فقد تعلّم كيف يمسح أجزاء معينة من الذاكرة دون تدمير كل ما فيها كما فعل قبل 10 سنوات.
لكنّه حتّى بعد ذلك لم يستطع مواجهتهم إلى أن قرّر اللعب معهم اليوم.
وهذا ما سيفعله ما تبقّى من حياته.
يمكنه ببساطة أن يمسح ذاكرته وينسى كلّ شيئ لكنّه أراد أن يحمل خطاياه معه.. فبعد كل شيئ ما أسوأ ما يمكن أن يحصل بعد موته وتحوّله إلى برنامج حاسوب؟
لديه إلى الأبد ليفكّر بهذا تحت سماء عالم “الصفاء المكذوب.”
[النهاية]
شكراً على القراءة !!
قصّة “الصفاء المكذوب” هي إحدى مؤلفاتي التي أعيد قراءتها بين الحين والآخر فخراً بها، وﻷنني أعدت قراءتها عدّة مرّات شعرت أنّ هناك الكثير من الفقرات التي أستطيع تحسينها، وهذه النسخة المعدّلة كانت النتيجة.
القصّة كئيبة مقارنة بالنوع المعتاد مما أكتبه، وبها بعض المشاهد التي لا تناسب أصحاب القلوب الضعيفة لكنني لم أضع التحذير في الأعلى ﻷن تلك المشاهد لن تكون مؤثرة إلاّ لو كانت مفاجئة. الرجاء اخباري في التعليقات لو كنت تفضّل وجود التحذير في الأعلى.
أنتظر آراءكم وتعليقاتكم حول هذه القصّة في التعليقات. وأتمنى رؤيتكم مع قصّة جديدة إن شاء الله.